بغض النظر عن نجاح أو فشل الثورة الشبابية، فالحراك ومعظمُ القيادات الجنوبية يبدون غير مكتثرين لذلك، خاصة بعد انسحاب القيادات الجنوبية من المجلس الوطني ورفضهم المشاركة فيه، لتبقى القضية الجنوبية مشتعلة حتى حين.. فالجنوبيون لا يعولون على المجلس الوطني أو النظام في معالجة القضية التي تشعبت وزادت مطالبها قبل أن ترسوَ على مطالب فك الإرتباط.
قياداتُ الحزب الحاكم ومعها أحزاب المعارضة منشغلون بالثورة وخياراتها، بينما الجنوبيون قد حسموا خيارَهم من الوحدة، وكان هناك مَن يرى البقاء في دولة الوَحدة.
لنصل إلى حقيقة مفادُها أن الثورة التي وحدت الشبابَ في الساحات عند انطلاقها قد فشلت في إبقاء الشباب موحدين كما فشل النظام والأحزاب في الحفاظ على النسيج الإجتماعي مترابطاً.
لا يمكن القول بأن الثورة المضادة قد بدأت، لكن المؤكد فيه أن الثورة لن تحقق مطالب الجنوبيين سواء أكان ذلك في ظل الثورة، أو بعدها، بدليل غياب الشراكة في الحُــكم سواء في المجلس الوطني، أو ما قبله أو ما سيأتي بعده، ولعل مطالبة المنسحبين من المجلس الوطني بالشراكة والمناصَفة في المجلس كان الدافع الرئيسي وراء إعلانهم الانسحابَ من المجلس.
لعبة دخلت مرحلة الحسم وإن كانت تغلب التناقضات عليها، غير أن القراءة المتأنية للمشهد الجنوبي خصوصاً تؤكد بأن حالة التذمر والاستياء هي السائدة في ظل تنامي الدعوات المطالبة باستعادة دولة الجنوب.. ولعل تفتت النسيج الإجتماعي بين أبناء الشمال والجنوب هو ما قد يُــلقي بظلاله على المرحلة القادمة التي تخبئ في ثناياها ما لا نعرفه، والأهم من هذا كله أن لا أحد من المفكرين أو الأدباء والنخب السياسية يعمل على ترميم الوحدة بقدر ما أفرزت المرحلة الماضية أصواتاً تساهم بشكل أو بآخر في إلحاق الضرر بالوحدة الوطنية سواء أكان بقصد أو بدون قصد.
وقد حيَّـــت قيادات وقواعد الحراك الجنوبي القيادات الجنوبية التي أعلنت عن انسحابها من المجلس الوطني المعلن من قبل أحزاب المشترك، حيث وصفت الحركة الشباب والطلابية في أبين الانسحاب بالموقف الشجاع والجريء والداعم للقضية الجنوبية التي لا تقبل أنصافَ الحلول، في حين أشاد بيان التصالح والتسامح بموقف القيادات الجنوبية الرافضة للمشاركة في مجلس يضم في صفوفه أكبر الناهبين والمتنفذين الذين كانوا مشاركين في احتلال الجنوب ويرفضون إلى اليوم رفع أيديهم عن أراضي وممتلكات الجنوب.
فيما اعتبرت قيادات بارزة في الحراك الجنوبي انسحابَ القيادات الجنوبية من مجلس المشترك بأنه تصرف مسؤول ينسجم مع دعوات الجماهير ومع تطلعات أبناء الجنوب، ودعت قيادات الحراك من تبقى في المجلس المعلن من قبل المشترك إلى الانسحاب ورفض المشاركة وعدم إعطاء شرعية للمجلس الذي هو في الأساس صورة أخرى من صور النظام.
وكانت قيادات في الحزب الإشتراكي اليمني أحد الأحزاب اللقاء المشترك قد دعت قيادات الحزب إلى إعادة النظر في المشاركة في المجلس الوطني الذي استحوذ عليه الإصلاح، ورجال القبائل، وأعلنت بعضُ قيادات الحزب في المحافظات الجنوبية رفضَها المشارَكة أو الإعترافَ بالمجلس، مشيرةً إلى أن القضية الجنوبية لم تحتل أولويات اهتمام المجلس، إضافة إلى أن ذلك لا يتوافق أبداً مع أعضاء وأنصار الحزب في المحافظات الجنوبية الرافضين للمشاركة في المجلس المعلن.
وبين ما تم تسريبه من معلومات صحفية لم تؤكــَّــد أو تنفى من قبل معارضة الخارج وبالتحديد من قبل المهندس/ حيدر أبو بكر العطاس الذي تقول المعلومات الصحفية بأنه كان وراء انسحاب القيادات الجنوبية من المجلس الوطني يرى الحراك الجنوبي وبالتحديد القيادات التي تدعو إلى فك الإرتباط أنها حققت نتائج أكبر مما كان يُتوقع حين فرضت أسلوب التعامل بالحسم مع القضايا المصيرية التي تهم الجنوبيين، في حين يرى مراقبون أن ما حدث كان شبه إجماع من قبل القيادات الجنوبية على عدم الإكتراث بالمجلس المعلن بعيداً عن القيادات الجنوبية التي ترى حل القضية الجنوبية في إطار دولة الوحدة، وبين من يرى أن القضية الجنوبية لن تحل لا عن طريق فك الارتباط مع الشمال.. تيار الرئيس الأسبق للجنوب علي سالم البيض كان -بحسب المصادر- يعد بياناً يهاجم فيه علي ناصر والعطاس وكلَّ مَن تم الاعلان عن أسمائهم، في حال استمروا في المجلس الوطني، ليقوض من شعبيته علي ناصر والعطاس وهيثم ومحمد علي أحمد في الداخل، بيد أن القيادات التي ترى إمكانيات الحل في ظل دولة الوحدة كانوا أسرع من البيض وتياره، حيث أصدروا بياناً قبل أن يستكمل البيض إعداد بيان الهجوم عليهم.
أية حلول أو تسويات دون موافقة الحراك الجنوبي الحامل الرئيسي للقضية الجنوبية لا يمكن القول بأنها ستؤدي إلى نتيجة؟، الحالُ ذاته ينطبق على المجالس الوطنية والانتقالية الذي يُراد لها أن يكون ممثلاً لليمنيين، إذ تقتضي الضروريات في المرحلة الراهنة قبل إعلان أي مجلس وطني يمثل اليمنيين أن يحوز على موافقة المجلس الأعلى للحراك الجنوبي، وأي تجاوز للحراك الذي أصبح رقماً من الصعب القفز عليه فلا يمكن الحديث عن مجلس أو مجالس يمثل اليمنيين، فالمسألة ليست مجرد أسماء يتم اختيارُها والتواصل معها وضمها إلى المجلس بقدر ما تكون رؤى لحلول موضوعية لمعالجة القضية الجنوبية وفق الدستور الحالي أو الدستور القادم، بحيث تحسم القضية لنعيش دون عداء أو بغضاء، عدا ذلك لا يمكن أن تقدم المجالس المعلنة من الأمر شيئاً سوى إثبات أن ما كان يعول عليها الجنوبيون بأنها ستكون صورة مغايرة للنظام، وأن بيدها الحل ظهرت عكس ما يتوقعه الجميع منها.
وفي إطار حسابات الربح والخسارة فإن الجميع خسر الرهان بما في ذلك أحزاب المعارضة ذاتها، حين كانت تراهن بأن القضية الجنوبية بيدها، وأنها الوحيدة التي تمتلك العصا السحرية لمعالجة قضايا تشعبت وزادت، ومن غير المعروف كيف ستتعامل الأحزاب من الآن وصاعداً مع القضية الجنوبية التي خرجت عن سيطرة الأحزاب.
وفيما يرى بعض المتابعين أن هناك إمكانية لمعالجة القضية الجنوبية عن طريق المشاركة الفاعلة والمناصفة في مجلس يضم النخب السياسية والثقافية في الشمال والجنوب بعيداً عن الاستحواذ والاقصاء والتهميش حتى يعاد للجميع الثقة بأن آفاق الحلول ما تزال قائمة، إلاَّ أن آخرين يرون أن قيادات المعارضة الجنوبية في الخارج هي من تلعب الدور الأكبر في توجهات الحراك وهي من ترسم معالم الطريق، بدليل الانقسامات والتبايُــنات في الرؤى لدى قيادات الحراك في الداخل الذي تعتمدُ في معظم الأحيان على المواقف والبيانات الصادرة عن معارضة الخارج.
وعليه فإن المتابعين للشأن الجنوبي يرَون أن على قيادات الأحزاب أو النظام إختصارَ المسافات من خلال التواصُل وإقناع قيادات معارضة الخارج بالعمل على معالجة القضية وما يلبي تطلعات المواطنين في الجنوب، بدلاً عن البحث عن قيادات الحراك في الداخل التي على ما يبدو أن أمر التحاور والحوار ليس بيدها، وهو ما كان البعض قد أكده وبأنه الممثل الشرعي، طبعاً ليس كــُــلّ مكونات الحراك هي البيض، باعتباره من قاد الجنوبيين إلى الوحدة، في حين أن الكثير من مكونات الحراك تعمل وفق توجيهات ودعم ناصر والعطاس، وبذلك فإن المتابعين يؤكدون على أن التحاور يجبُ أن يكونَ أولاً مع قيادات معارضة الخارج.
0 التعليقات:
إرسال تعليق