جماعاتُ التكفير ومن بعدها الجماعات الجهادية وصولاً إلى تنظيم "القاعدَة" تناسلت جميعُها من رحم جماعة الإخوان في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان كتابُ سيد قطب "معالم على الطريق" هو المرجعية الأولى للجماعات التكفيرية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
تمدُّدُ الفكر الإخواني في الدول العربية خلق بيئة خصبة لتحالفات جديدة بين القوى الاجتماعية والسياسية في بعض هذه الدول وجماعات الإخوان وفق مبدأ تبادل المنافع وإلباس المصالح السياسية ثوباً دينياً؛ لأنه الأقدر على غزو عقول وأفكار الناس.
في الـيَـمَـن تمكنت هذه الجماعة وعبر الفضيل الورتلاني في أربعينيات القرن الماضي من تأسيس جُذور التحالفات "الدينية -السياسية" إلا أن هذا التحالُفَ لم يظهر إلى الواجهة إلا عقب قيام ثورة 26 سبتمبر عندما وقف التحالف "القبلي- الديني" في وجه القوى التحديثية وعمل على الإطاحة بها وإقصائها من المؤسسة العسكرية ليظهر تحالف جديد أكثر قوة "قبلي- ديني- عسكري" عقب اختراق جماعة الإخوان للمؤسسة العسكرية والأمنية إبان فترة حكم القاضي الإرياني وسيطرتها على التربية والتعليم بتعيين عَبدالملك الطيب وزيراً لها.. جاء قرارُ تأسيس الهيئة العامة للمعاهد العلمية في منتصف السبعينيات في محاولة من الرئيس إبراهيم الحمدي لفض التحالف "القبلي- الديني"، وجعل هذه الجماعة تنشطُ أمام أعين الدولة لـيَـمَـنحَ جماعة الإخوان الفرصة في الحُصُول على مؤسسة شرعية كانت بمثابة وزارة أخرى للتعليم لكنها متخصصة في التعليم الديني، مضافاً إليه التعليم العام، وحظيت هذا المؤسسة بدعم مالي وأيديولوجي من مصادرَ متعددة داخلياً وخارجياً، وكان الدعم الخارجي غير معلوم حجمه ومقداره؛ لأنه لا يمر عبر المؤسسة الرسمية الـيَـمَـنية، بالإضافة إلى الدعم عن طريق الجمعيات والهيئات الدينية الشعبية في دول الخليج.. كما تم تأسيس هيئة أخرى "مكتب التوجيه والإرشاد" وتم إدراجها كهيئة مستقلة لا تتبع وزارة الإعلام والثقافة، ومن حينها أصبحت الهيئتان معنيتين بنشر ثقافة التشدد والتطرف والتكفير والإرهاب، فشكلت هذه البيئة الأرضية الخصبة للتأسيس لهذا الفكر المتطرف، وتمكن من التوسع "مستغلاً الحماية القانونية" ليس في مجال التعليم فحسب، بل في جميع مفاصل الدولة والمجتمع "السياسة- الثقافة- الاقتصاد - الأمن- العسكرة" ولعب الطلاب حديثو التخرج من المعاهد العلمية دوراً كبيراً في تعزيز حضور التعليم الديني وانتشار هذه الجماعات في كــُــلّ الإدارات الحكومية.
حدثان: الأول داخلي والمتمثل بحرب ما يُسمى المناطق الوسطى ضد الجبهة الوطنية والثاني خارجي، والمتمثل باجتياح الاتحاد السوفييتي لأفغانستان مكنا هذا التيار من الانتقال من مرحلته الأولى إلى المرحلة الثانية، وهي تكوين الجناح العسكري ليكون الذراع التي تبطش بكل من يختلف معها في الرأي والموقف السياسي والفكري.
إستعانت الدولة بطلاب المعاهد العلمية وخريجيها في مواجهة عناصر الجبهة الوطنية، ومنحت صلاحيات واسعة وإمكانيات كبيرة، وهو ما مكنها من اختراق جهاز الأمن الوطني المعني بحماية أمن الدولة لتكسب هذه الجماعات خبرات أمنية وقتالية عالية المستوى.. بعد انتهاء حرب المناطق الوسطى كان هذا التيار قد استكمل سيطرته على معظم أجهزة الدولة وتمكن من إداراتها خصوصاً الاختراق الأمني عبر محمد عَبداللــَّــه اليدومي والاختراق العسكري عبر القائد العسكري علي محسن صالح، بالإضافة إلى السيطرة على التربية والتعليم فكانت المرحلة الثانية والمتمثلة بنقل المجاهدين من الشباب إلى أفغانستان للتأسيس لمرحلة جديدة، هي تكوين الذراع العسكري لجماعة الإخوان العالمية، وبالتالي فإنه لا يمكن الفصل بين جماعات الإخوان في الـيَـمَـن ومرجعياتها الدينية وتنظيم "القاعدَة"؛ لأنها ارتبطت مع بعض بصورة مباشرة في حرب أفغانستان.
نستكمل في موضوع قادم دورَ قيادات الإخوان في مرحلة ما بعد الوَحدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق