الأربعاء، 22 فبراير 2012

الميزان‮ ‬في‮ ‬تقلبات‮ ‬السلفية‮ ‬والإخوان

{ عبدالمجيد عبدالمجيد علي شرف الدين
 > لقد فتحت الحركتان السلفية والإخوانية أبوابَ التنازل اللامتناهي عن ثوابت الأمة في معتقداتها الدينية والوطنية، حيث أن الحركتين قد جعلتا من رضا الإستكبار الأمريكي والغربي غايةَ هدفهما ومرامهما، ولذلك فقد توالت التنازلاتُ تلو التنازلات بمتوالية عددية وهندسية في آنٍ معاً، هذا ولا تزال الحركتان خارج السلطة فكيف سيكونُ الحالُ بعد الوصول؟، فالحركتان قد كشفتا عن نفسية انهزامية من جهة وانتهازية متجردة من الأخلاق من جهة أخرى.
وليس بمستغرب على السلفية ما أعلنته من تنازلات لخطب وُد الإستكبار العالمي، واكتساب رضاه، فذلك ليس بجديد عليها، فطالما كانت السلفية النجدية في خدمة الإستكبار، والمطلع على تأريخ الدولة النجدية يجد ارتهانَ الدولة ومؤسستها الدينية في خدمة الإستكبار قديماً وحديثاً.
فالحركة السلفية مهما تعددت أسماؤها ومُسمياتها مُنطلقاتــُــها واحدة في خدمة الاستكبار العالمي، وقد خرج الإخوانُ من رحم السلفية، ولذلك وجدناهم يترسمون خُطاهم ويسلكون منهاجَهم، وقد حرص الاستكبارُ على انفصال الإخوان عن السلفية حركياً لأهداف ومَرَاميَ استكبارية، من ضمنها تطويعُ الحركتين للتفاني في خدمة الاستكبار، وفتح باب التنافُس بين الحركتين في هذا الإطار، وها هي السلفية تتخذُ كــُــلَّ الوسائل لإشعال نار الفتنة المذهبية وإثارة العنعنات العُـنصرية والمناطقية، بما في إنشاء القنوات الفضائية (قنوات الفتنة) بكلما تحمله هذه الكلمة من معنى، وإصدار الكتب والمجلات والصحف واستحداث المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على الفيسبوك والتويتر واليوتيوب، كــُــلُّ ذلك لخدمة أجندة الفتنة والتي تعتبرُها الحركتان السلفية والإخوانية جوازَ المرور إلى كراسي السلطة، فالفتنة هي المتطلبُ الاستكباري من هاتين الحركتين وُصولاً إلى إشعال حرْب عرقية ومذهبية في المنطقة لصرف الأنظار عن تهويد القدس، واستكمال المخطط الصهيوني في التهام الــ(٢١٪) المتبقية من أرض فلسطين التأريخية وتهجير ما تبقى من الفلسطينيين في القطاع والضفة، وتكريساً لذلك نجد أن الحركتين السلفية والإخوانية قد أعلنتا التزامَهما المطلقَ باتفاقية كامب ديفيد على خُطى السادات وحُسني مبارك، فيبقى العلــَــمُ الإسرائيلي على السفارة الإسرائيلية في العاصمة المصرية، والتي يُــرادُ لها أن تكونَ قاهرةً لكلِّ ما هو عربي وإسلامي بدلاً عن أن تكونَ قاهرةً لكــُــلِّ عدوٍ ومستكبر، وتستمر العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
ولذلك لن نستغربَ من ترحيب الاستكبار بهاتين الحركتين واللتان تتعاملان مع أعضائها تعاملَ الراعي مع القطيع، فقد أوهمتا الأعضاءَ بأن التكتيك السياسي يقتضي التنازلَ عن المبادئ، كتدبير وقتي ومرحلي ليس إلاَّ في سبيل الوُصول إلى السلطة.
فإذا بالأعضاء يمضون على نسَــق القيادات في الارتهان للمخططات الاستكبارية وتنفيذ أجندات الاستكبار في المنطقة، وليس الأمر على إطلاقه، فهناك استثناءاتٌ من بين الأعضاء والقيادات لا ينساقون وراءَ تلك المخططات، ولكننا نتحدث عن التيار الجارف الذي أعماه الطمعُ السلطوي عن رؤية الحقائق (فدرءُ المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح)، وقد أهدر الطامعون هذه القاعدةَ الشرعيةَ، وجعلوا من أطماعهم في السلطة قاعدتَهم الأساسيةَ التي يدورون في فلكها دونَ وضع أي اعتبار لأي شيء آخر.
وقد أوضح الأستاذ/ عادل الجوجري -رئيسُ اللجنة الشعبية المصرية لمناصَـرة الثورة اليمنية- في المقابلة التي أجرتها معه صحيفةُ "المدينة" اليمنية في عددها الصادر بتأريخ ٥٢/٢١/١١٠٢م بأن أمريكا تريدُ نظامَ حكم إسلامي بلا أنياب على النمط السعودي والتركي والقطري، فهي -بحسب الجوجري- أنظمة تحكم باسم الدين، وتزعم أنها تطبقُ العدالة لكنها في الواقع تصب في مصلحة الرأسمالية العالمية والغرب والصهيونية، وانظر إلى تركيا كيف أنها لم تقطع علاقاتها مع العدو الصهيوني رغم جرائم العدو، وانظر إلى قطر عرَّاب التطبيع الإعلامي والتجاري، بينما تزعم أنها تدعم الثورات... إلخ.
بالفعل فالاستكبار العالمي يريد أنظمة حكم إسلاموية بلا أنياب على الاستكبار وأذنابه في المنطقة ولكنه بالمقابل يريدُ أنظمة حكم إسلاموية بأنياب ومخالب على أنظمة الممانعة وحركات المقاومة في المنطقة.
وذلك مشاهَــدٌ عياناً، فالأنظمة التابعة للاستكبار في المنطقة تقومُ باستهداف جميع أنظمة الحُـكم الممانعة وحركات المقاومة، وما نشهدُه من استهداف لسوريا ولحركات المقاومة في فلسطين ولبنان ينصب في هذا الإطار، فالاستكبار العالمي يمضي في توظيف الحركات الإسلاموية في المنطقة لخدمة المشروع الاستكباري في المنطقة للاستمرار في نهب ثروات الأمة وبقائها أُمــَّــةً مستهلِــكة غير منتجة سوى للخلافات والتناحر بين أبنائها، فالاستكبار كان وما زال ناهباً لكل خيرات الأمة حتى خبرات أبنائها وما لدى الأمة من كفاءات، وإذا عرفنا بأن ما يقارب (٥٣٪) من الأطباء في بريطانيا هم من أصل عربي إسلامي تأكدنا من هذه الحقيقة، فالاستكبارُ ينهَـبُ كل طاقات الأمة الفكرية والمادية والبشرية والثقافية والتراثية والتأريخية، فمتاحفُ الغرب متخمة بالآثار المجلوبة من أوطاننا، ومكتباته مملوءة بمخطوطاتنا، ويراد لنا أن نبقى أمة مسلوبة الإرادة بأسُها بينها شديد، وفي الوقت الذي ما زالت فيه الحركتان السلفية والإخوانية تشعلان نار الفتنة بين المسلمين تحت مسميات مختلفة، وتباشران العدوان وارتكاب المجازر، وليس ببعيد عنا ما أقدم عليه بعضُ شباب الإصلاح والفرقة في فجر يوم الثلاثاء الماضي بتأريخ ٧٢/٢١/١١٠٢م من هُـجوم مُـباغت على شباب الصمود والشباب المستقل، مما أسفر عن إصابة العشرات إصابة البعض منهم بالغة الخطورة رغبةً من شباب الإصلاح والفرقة في احتكار العمل الثوري وعدم القبول بالآخر.
وتغطيةً لذلك وجدنا بأن الأستاذَ/ نصر طه مصطفى يُــثيرُ ما أسماه تعرضَه للتهديد بالقتل من قائد الحرس الخاص طارق محمد عبداللــَّــه صالح، وإثارة نصر لذلك يأتي لصرف الأنظار عن الجريمة التي ارتكبها شبابُ الإصلاح والفرقة من جهة، وللتلميع السياسي من جهة أخرى، وبقدر ما تبديه الحركتان السلفية والإخوانية من تشدد على المختلف معها فكرياً ومذهبياً في الإطار الإسلامي نجدها في المقابل تبدي المرونة والتسامح مع المختلف معها دينياً.
فقد وجدنا أن حركةَ الإخوان المسلمين المصرية قد شكلت لجاناً شعبية لحماية الكنائس أثناءَ احتفالات عيد الميلاد في مطلع العام الميلادي الجديد.
فلماذا هذا التعاملُ المزدوج؟!، ولماذا الكيلُ بمكيالين؟!، فهلاَّ عامَــلَ الإخوان والسلفية إخوانهم المسلمين كما يعاملون الآخرين فيكفوا عن إشعال نيران الفتن وارتكاب المجازر.
والسلفيون لا ندري من أين نبدأ معهم، ومن أين ننتهي، فهُـم بالفعل شوكة في قلب المسلمين، لا يهدأ لهم بال، ولا يقر لهم قرار إلاَّ بسفك دماء المسلمين، فقد وجدنا الشيخَ اللحيدان يتهمُ مسجد الحسين في القاهرة بالشرك الأكبر، وإذا علمنا بأن الشيخَ اللحيدان هو عضو هيئة كبار العلماء في المملكة السعودية، علمنا بأن ذلك الاتهامَ هو فتوى بإباحة سفك دماء رُوَّاد مسجد الحسين لا لشيء سوى اختلافهم مذهبياً مع الشيخ اللحيدان وأمثاله من مشايخ التكفير والتفجير.
وتأمل معي أخي القارئ الكريم ما طالعتنا به قنواتُ الفتنة السلفية والتي ابتكرت حلاً لمن تسميهم بالروافض في محافظة صعدة، ويتمثل هذا الحل المزعوم في إخلاء محافظة صعدة من السكان وتوزيعهم في مجموعات صغيرة على كافة محافظات ومديريات وقرى وعزل اليمن، وبحيث لا تكونَ لهم أية قوة أو شوكة بحسب التعبير السلفي، فالبلشفية حاضرة في أذهان السلفية بقوة، فهل سيجد الاستكبار من يترسم خُطاه كما تفعل الحركتان الإخوانية والسلفية واللتان تخلتا عن جميع المبادئ والشعارات بين عشية وضحاها، ولننظر للنزوع الاستئصالي لدى الشيخ الحجوري والذي أصدر فتواه بقتل جميع من يسميهم بالروافض دون استثناء وفي كل مكان إلى أن يقول في فتواه: "أقتلوهم حيث ثقفتموهم، أرجموهم بالحجارة، قحطوهم بأسنانكم".. هكذا ولم تجد هذه الفتوى أي انتقاد من الطلائع المثقفة، بل وجدنا من بعض تلك الطلائع المباركة كما هو حال الأستاذة رشيدة القيلي والتي تباكت ما شاء لها البكاء على ما أسمته بالمظلومية الدماجية في المقابلة التي أجرتها معها صحيفة "الأهالي" اليمنية في عددها الصادر بتأريخ ٦٢/٢١/١١٠٢م، والتي نحيلُ القارئ الكريم إلىها ليجدَ أن النزوعَ الاستئصالي ليس حكراً على الحجوري وأمثاله من مشايخ التكفير والتفجير، وإنما يمتدُّ ذلك النزوع إلى بعض الكُتاب المتلبسين بأثواب المدنية ومُدَّعيي المهنية والذين كشفت الأيامُ بأنهم يعيشون في طيات محاكم تفتيش القرون الوسطى، وأولئك قد لا يُـعَـبرون عن ذواتهم بقدر ما يعبرون عن أجندات القائد المنشق والمشايخ الدائرين في فلكه.. ورهانــُــنا قائم على وعي المجتمع ويقظته.. وحسبنا اللــَّــه وكفى ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

آخر الأخبار