الثلاثاء، 29 مارس 2011

الإخوان المسلمون في اليمن؛ رؤية نقدية

الإخوان المسلمون في اليمن؛ رؤية نقدية



بلغت حركة الإخوان المسلمين اليمنية شأواً كبيراً، وانتشاراً عظيماً بين أفراد مجتمعها، إما أصالةً بالانتماء المباشر إليها، وإما تبعاً بالتفاعل مع شعاراتها ورموزها وقضاياها في الفترة الماضية، وتجديداً لمعالم المنهج القرآني على فهم السلف الصالح إلى فترةٍ قريبة، وإزالةً - بفضل تهيئة الله تعالى لها - لبعض المنكرات [2]، مع أن كثيراً من ذلك تَمَّ من خلال أفرادها فقط ! وكانت أخطاؤها (ومعاصيها) إلى هذه الفترة لا تعدو أن تكون أخطاءً فرديةً في الغالب، أو أخطاءً منهجيةً غير مؤثرةٍ على مسيرة العمل الإسلامي العام، والتدين الصحيح الملتزم بأصول أهل السنة والجماعة. ولكن الاعوجاج الذي بدأ طفيفاً في مسيرة هذه الحركة أخذ صبغةً جماعية منظمةً في أونتها الأخيرة.



وقد اضطر كاتب هذه السطور اضطراراً شديداً إلى إبراز الملحوظات التالية على القيادة الحالية لحركة الإخوان اليمنية، نصحاً للأمة عموماً، ولهذه القيادة خصوصاً، وبياناً لقاعدة الحركة العريضة التي تُعَمَّى عليها الأخبار، وتُوهَّم - مع ذلك - أنها تتجه إلى الخلافة الإسلامية وسبب هذا الاضطرار إلى إبراز الملاحظات والنشر العام لها أن قيادة الحركة منعت كل نصحٍ عام داخلها، ولتبعد هذه الشبهة عنها زعمت أمام القواعد بأن هناك قناةٌ معينةٌ للنصح (وهي تميت كل نصيحةٍ بواسطة هذه القناة المزعومة، بل تنقش علامات الاستفهام حول من يُعْلَمُ منه ذلك - وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى -)، كما قمعت هذه القيادة - في كثيرٍ من الأحيان - بأنواعٍ خاصةٍ من القمع كلَّ فردٍ يمكن أن يُذَكِّرَها بدينها وأصول منهجها مع أنها تفسح العنان لكل فكرٍ دخيلٍ - وقد يشبه أن يكون علمانياً - أن يظهر في صفوفها، ويُجاهَرَ به في وسائلها الإعلامية والتنظيمية. وعلى الرغم من ذلك، فإن كاتب هذه السطور إلى ساعة كتابة هذا الكلام عضو من أعضاء الإخوان حريص على هذه الحركة التي جمعت - فيما جمعت - صفوة الأمة، والخضر اليوانع من شبابٍ آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، محبٍّ لها باعتبارها إحدى وسائل تعبيد الناس لربهم، ورفع راية دينهم في أصل منشئها، وهو ما يدل على إرادةٍ حقيقيةٍ لنصح الحركة، وقيادتها، وقاعدتها ولو كان - ثَمَّ - آلية جادة للتقويم والمحاسبة المنظمة لا العتمة المعتمة لما سلك هذا السبيل..



وإلى الملحوظات والله المستعان:



أولاً: الزيغ في منهج التلقي والاستدلال:



وأوضح الأمثلة على ذلك هو الطاعة المطلقة للقيادة الفعلية في التنظيم [3]، والمتابع للمنهج العلمي في حركة الإخوان يجد أنه تكثر في أروقتهم ومنتدياتهم ترديد شعار: " التنظيم وسيلة ".. ولكن الواقع أن التنظيم لم يصبح غايةً في ذاته فحسب، بل تحول إلى ما يشبه صنماً يُعبد فالحلال ما أحل التنظيم، والحرام ما حرم التنظيم، وقد أشار فتحي يكن في كتابه (متغيرات دولية)، وفي كتابه (نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر) إلى هذه الصنمية الجديدة محذراً من استفحالها عند الإخوان، هذا الزيغ أو الصنمية المقنعة نتيجة للطاعة المطلقة والعمياء مَثَلُها مأخوذةٌ من فعل اليهود والنصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله كما قال تعالى (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [التوبة: 31] لأنهم أطاعوهم طاعة مطلقة على ما هو معلومٌ في قصة عدي بن حاتم - رضي الله تعالى عنه - إذ ظن الصحابي الجليل عدي بن حاتم - رضي الله تعالى عنه - أن مقضى اتخاذهم أرباباً الركوع والسجود لهم فقال: قلت يا رسول الله إنهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: " أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم " [اللفظ للبيهقي في السنن الكبرى 10 / 116، والحديث عند الترمذي 5 / 278].



وأما مظاهر هذا الزيغ والضلال فكثيرة، ومن أبرزها أنك تسمع العبارات التالية: (نصٌ تنظيمي) في مقابل النص الشرعي، و (فتوى تنظيمية) مقابل الفتوى الشرعية غالباً يعود الأول على الثاني بالإلغاء ومن أمثلة ذلك: أنه نزل على الإخوان (أمرٌ تنظيمي) خطير متعلق بالانتخابات الأخيرة، والأمر كان فيه تحريض سافر على انتهاك قواعد شرعية وأخلاقية حتى في التعامل مع الخصوم (نحتفظ بتفاصيلها لحساسيتها)، ثم برروا هذه المعاصي بأنها اضطرار في المواجهة وعلى القواعد أن تستغفر الله مما حدث !.



ومن مظاهر الزيغ هذه أيضاً تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:



إن ما يتلقاه العضو المنتظِم في اللقاء الأسبوعي في كتاب " الدعوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة بشرية " خصوصاً وفي غيره من المنهاج يجعله يخرج بمفهومٍ عظيمٍ مُرَسّخٍ في ذهنه هو: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن القيادة الفعلية للإخوان أبطلت ذلك وعطلته من الناحية التضييقية، ومن أبرز ما يدل على ذلك ويوضح الفكرة السابقة توضيحاً بليغاً، موقف القيادة في قضية سب الذات الإلهية.



حيث نشرت جريدةٌ رسميةٌ سباً للذات الإلهية، ووصفت الله بالظلم - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - نقلاً عن روايةٍ لهالكٍ شيوعي فلننظر كيف تعاملت قيادة الإخوان مع هذا الموضوع الذي يشكل قضية التوحيد الأولى.



فقد غار بعض أعضاء الإخوان لله وأنكر هذا المنكر الأعظم، عبر وسائل مختلفة كالمنابر والمساجد والمقايل، وفي كل وسيلةٍ متاحةٍ [4]، بل تحرك بعض الغيورين في أمانة العاصمة فعمموا خطبةً مسجديةً على من يعرفون من الخطباء لإنكار هذا الأمر العظيم، فقامت قيادة الحركة عند ذلك وتمثلها الأمانة العامة للإصلاح بالتالي، أنكرت على جهاز التوجيه والإرشاد عدم الاستئذان في إنكار هذا المنكر الأكبر [5] (طبعاً الإنكار لم يتعد القول)؟! ونزل أمين المكتب التنفيذي للإصلاح في أمانة العاصمة إلى فروع أمانة العاصمة بنفسه يسأل خطباء مجالس الفروع عمَّن تجرأ ففعل هذا الفعل العظيم (الإنكار على من نشر سب الذات الإلهية)، ثم أُمِرَ أعضاءُ مجالس الفروع بتفقد مجالس الشعب والأسر التنظيمية بالطريقة ذاتها والإنكار عليها، بل أُنكِر على من ألقى موعظةً (خاطرة) عن ذلك، وعلى من ألقى محاضرةً في ذلك، وأمروا بمنع بعض كبار العلماء والدعاة في الحركة وخارجها من الحضور إلى محاضرات تتحدث عن هذا الموضوع، وكانوا يتابعون ذلك في كل جمعة ! ماذا يتابعون؟ ليس الإنكار على من سب الذات الإلهية، وبيان حكم الشرع وواجب الدولة والأمة فيه، بل الإنكار على من أنكر سب الذات الإلهية.



ثانياً: إضعاف عقيدة الولاء والبراء، وإضعاف الحس الدعوي في العمل السياسي:



على الرغم من أن الإخوان يركزون في دورات العضوية ثم في دورات المساعدين على عقيدة الولاء والبراء إلا أن الواقع التطبيقي لهذه المسألة يناقض المبدأ النظري مناقضة غريبة، ولعل من أبرز مظاهر ذلك أنك تجد قيادة الإخوان يهشون ويبشون لأي علمانيٍ أو لقناصل السفارات الأجنبية والعاملين في الحقل الديبلوماسي الأجنبي، في حين تجد الازدراء الغريب منهم للإسلاميين الآخرين كالسلفيين، بل إن استخفافهم بإخوانهم الذين يسمونهم بالمتشددين يصل حد الاستغراب وفي حين تجد الإخوان ينافسون السلفيين أشد التنافس على مساجدهم تجدهم - في الوقت ذاته - يبسطون الجناح أشد البسط ويخفضونه للعلمانيين في منتدياتهم ووسائل إعلامهم وقد انعكس هذا على كثير من القواعد من بعد.



ثالثاً: إضعاف هيبة العلماء ومرجعيتهم عند قواعد الإخوان، بل وأمام الدولة:



بين القيادة الفعلية للإخوان وبين العلم الشرعي خصامٌ غريب، فهل ذلك كان لأجل أن الذي يُمْسكون بمفاصل القيادة الفعلية داخل التنظيم ليس واحدٌ منهم عالماً شرعياً؟ فإن الذي يمسك بمفاصل القيادة الفعلية داخل التنظيم ثلاثةٌ بعد القيادة الرسمية لياسين عبد العزيز (في ضوء المعلومات المتاحة لنا الآن)، وهم مع من ينهج نهجهم هم الذي يُكَوِّنون تنظيماً مستقلاً داخل التنظيم، وهم؛ محمد اليدومي الرجل الأقوى في التنظيم، فإن الذي يريد الارتقاء في السلم التنظيمي عليه أن يشتد في مدح هذا الرجل الذي كان يعمل في نطاق الأمن الخاص للنظام الحاكم في فترةٍ من الفترات، وكلما ازداد الإنسان مدحاً له كلما ازداد حظه في الارتقاء في السلم التنظيمي فإذا ضَمَّ الإخواني الطموح للارتقاء التنظيمي لهذا المدح والإشادة بعلم اليدومي وحكمته، وحنكته إذا ضم لذلك تنقصه للشيخ الزنداني ومن معه من العلماء الذين لا يفهمون الواقع؟!، وأضاف إلى ذلك أن يذم المتمسكين بالنصوص، عند ذلك يكون ارتقاؤه التنظيمي أكيدًا [6].



ومن مظاهر إضعاف هيبة العلماء وإماتة التحاكم إلى الدليل ما يردده الأمين العام للإصلاح، اليدومي، كثيراً من أنه " لا توجد في حركتنا مشيخات، ولا كهنوت " وهذه عبارات سمعناها كثيراً من اللادينيين والناس يعرفون أن اللادينيين عندما يرددونها إنما يريدون بها محو وجوب التحاكم إلى الذين يحق لهم الاجتهاد في فهم الأدلة واستنباط الأحكام منها، وهم أولو الأمر المعروفون في قوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83] وهم أهل العلم والذكر المذكورون في القرآن، ولكن اللادينيين يغالطون بهذه المقولات فهل صار اللادينيون قدوةً لأمين عام الإصلاح والمنفذ القوي في الإخوان، والمقرب إلى النظام الحاكم؟ وأين فقه الواقع، والعبارات السياسية في مثل هذه التصريحات؟ أم أن العبارات السياسية هي فقط التي تؤدي إلى إرضاء اللادينيين وإغضاب المتدينين؟



اتباع أساليب العلمانيين في السخرية بالعلماء:



حيث أكثر الأمين العام للإصلاح - على سبيل المثال - وبالغ في سخريته بالعلماء وتهكمه بهم حداً يصل إلى البذاءة، فهو مرةً يقول عن عالمٍ من أكبر العلماء خارج اليمن، وهو فضيلة الشيخ الألباني تغمده الله بواسع رحمته -: (تعرفوا آخر ضرطة ضرطها الألباني) أخبرني أخي القارئ ماذا تسمي هذا الأسلوب بالمقاس الديني ثم بالمقياس السياسي الذي يفتخر من يُعَظِّم هذا الرجل بتفوقه فيه. ومرةً يقول عن أحد أكبر علماء اليمن المجاهدين بالعلم والمال والنفس داخل اليمن وخارجها - وهذا العالم ليس من الإخوان – " زوجناه وطلق وزوجناه وطلق قد زيدت بها يا شيخ " وذكر اسمه!!



ومرةً قال هذا الرجل: " ليس عندنا كنيسة ولا رجال دين من أراد الحلال والحرام - أو قال الفتاوى - فليذهب إلى [7] " وذكر اسم شيخٍ من أشهر مشايخ السلفيين فإذا كانت قيادة الإخوان ليس عندها حلال ولا حرام ولا فتاوى فما هو دينها؟؟! [8] وإلى أين تجر هذه القواعد المسكينة التي تظن أنه ما نزل أمرٌ من القيادة إلا بعد عرضه على العلماء؟ أرجو أن يُنظر إلى كلامه المنقول حتى لا يقال: إن كاتب المقال متحامل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

آخر الأخبار